فصل: ومن باب القران:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب القران:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل عن أنس بن مالك أنهم سمعوه يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا».
قلت: في هذا بيان أنه قرن بينهما في وقت واحد وفي حرم واحد وأنه لم يكن على معنى الإحرام بأحدهما وإدخال الأخرى عليها.
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج حدثنا يونس، عَن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: «كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن قال فأصبت معه أواقي فلما قدم علي رضي الله عنه من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابًا صبغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت ما لك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال فقلت لها إني أهللت بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت، قال: قلت أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فإني قد سقت الهدي وقرنت قال فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وأمسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة».
قلت: وفي هذا صريح البيان أنه كان قارنا لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم بما كان نواه وقصده من ذلك.
وفيه دليل على أن عقد الإحرام مبهما من غير تعيين جائز وأن صاحبه بالخيار إن شاء صرفه إلى الحج والعمرة معًا وإن شاء صرفه إلى أحدهما دون الآخر وأنه ليس كالصلاة التي لا تجزئ إلاّ بأن يعين مع العقد والإحرام. وقد استدل بعضهم بقوله: «وأمسك لي من كل بدنة منها ببضعة» على جواز أكل القارن والمتمتع من لحم هديه وهو غير دال على ما قاله لأن سُبع بدنه يجزئه عن نسكه ويكون فيه جبران لنقصه فيحصل الأكل من حصة التطوع دون الواجب.
قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا شعيب بن إسحاق عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: «قصرت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة أو رأيته يقصر عنه على المروة بمشقص».
قلت: هذا صنيع من كان متمتعا وذلك أن المفرد والقارن لا يحلق رأسه ولا يقصر شعره إلاّ يوم النحر والمعتمر يقصره عند الفراغ من السعي وفي الروايات الصحيحة أنه لم يحلق ولم يقصر إلاّ يوم النحر بعد رمي الجمار وهي أولى. ويشبه أن يكون ما حكاه معاوية إنما هو في عمرة اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الحجة المشهورة له والمشقص نصل عريض.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: «أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر».
قلت: هذا يبين لك أنه قد كانت هناك عمرة ولكنه قد أدخل عليها حجة وصار بذلك قارنا، وهذه الأخبار كلها مؤتلفة غير مختلفة على الوجه الذي ذكرناه ورتبناها. ولم يختلف الناس في أن إدخال الحج على العمرة جائز ما لم يفتتح الطواف بالبيت للعمرة.
واختلفوا في إدخال العمرة على الحج فقال مالك والشافعي لا يدخل عمرة على الحج، وقال أصحاب الرأي إذا أدخل العمرة على الحج صار قارنًا.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال: «قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا قال لكم خاصة».
قلت: قد قيل إن الفسخ إنما وقع إلى العمرة لأنهم كانوا يحرمون العمرة في أشهر الحج ولا يستبيحونها فيها ففسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عليهم وأمرهم بالعمرة في زمان الحج ليزولوا عن سنة الجاهلية وليتمسكوا بما سن لهم في الإسلام، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس لمن بعدهم ممن أحرم بالحج أن يفسخه وقد اتفق عوام أهل العلم على أنه إذا فسد حجه مضى فيه مع الفساد.
واختلفوا فيمن أهل بحجتين فقال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا يلزمه إلاّ حجة واحدة. ومن حجتهم في ذلك أن المضي فيهما لا يلزم ولو فعله لم يصح بالإجماع.
وقال أصحاب الرأي يرفض إحداهما إلى قابل ويمضي في الأخرى وعليه دم.
قلت: لو لزمتاه لم يكن له رفض إحداهما إلى قابل لأنه لا يكون في معنى الفسخ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فسخ الحج كان لهم خاصا دون من بعدهم. وقال سفيان يلزمه حجة وعمرة من عامه ويهريق دما ويحج من قابل، وحكى عن مالك أنه قال يصير قارنًا وعليه دم ولا يلزمه على مذهب الشافعي شيء من عمرة ولا دم ولا قضاء من قابل.

.ومن باب الرجل يحج عن غيره:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: «كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع».
قلت: في هذا الحديث بيان جواز حج الإنسان عن غيره حيا وميتا وأنه ليس كالصلاة والصيام وسائر الأعمال البدنية التي لا تجري فيها النيابة وإلى هذا ذهب الشافعي.
وكان مالك لا يرى ذلك وقال لا يجزئه إن فعل وهو الذي روى حديث ابن عباس، وكان يقول في الحج عن الميت إن لم يوص به الميت إن تصدق عنه وأعتق أحب إلي من أن يحج عنه. وكان إبراهيم النخعي وابن أبي ذئب يقولان لا يحج أحد عن أحد والحديث حجة على جماعتهم.
قلت: وفيه دليل على أن فرض الحج يلزم من استفاد مالا في حال كبره وزمانته إذا كان قادرا به على أن يأمر غيره فيحج عنه كما لو قدر على ذلك بنفسه. وقد يتأول بعضهم قولها إن فريضة الله أدركت أبي شيخا فقال معناه أنه أسلم وهو شيخ كبير.
وفيه دليل على أن حج المرأة عن الرجل جائز. وقد منع ذلك بعض أهل العلم وزعم أن المرأة تلبس في الإحرام ما لا يلبسه الرجل فلا يحج عنه إلاّ رجل مثله وحكي عن مالك وعن أبي حنيفة أنهما قالا الزمن لا يلزمه فرض الحج إلاّ أن أبا حنيفة قال إن لزمه الفرض في حال الصحة ثم زمن لم يسقط عنه بالزمانة، وقال مالك يسقط.
واستدل الشافعي بخبر الخثعمية على وجوب الحج على المعضوب الزمن إذا وجد من يبذل له طاعته من ولده وولد ولده. ووجه ما استدل به من هذا الحديث أنها ذكرت وجوب فرض الحج على أبيها في حال الزمانة وهو قولها إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ولابد من تعلق وجوبه بأحد أمور أما بمال أو بقوة بدن أو وجود طاعة من ذي قوة وقد علمنا عجزه ببدنه ولم يجر للمال ذكر، وإنما جرى الذكر لطاعتها وبذلها نفسها عنه فدل أن الوجود تعلق به ومعلوم في اللسان أن يقال فلان مستطيع لأن يبني داره إذا كان يجد من يطيعه في ابتنائها كما إذا وجد مالا ينفقه في بنائها وكما لو قدر عليه بنفسه.
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهناد بن السري المعنى واحد قال إسحاق حدثنا عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي فقال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة».
قلت: فيه من الفقه أن الصرورة لا يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه، وفيه أن حج المرء عن غيره إذا كان قد حج عن نفسه جائز، وفيه أن من أهل بحجتين لم يلزمه إلاّ واحدة ولو كان لاجتماع وجوبهما مساغ في وقت واحد لأشبه أن يجمع عليه الأمرين فدل على أن الإحرام لا ينعقد إلاّ بواحدة.
قلت: وقد روي في حديث شبرمة هذا أنه قال له فاجعل هذه عن نفسك ثم أحجج عن شبرمة هكذا حدثناه الأصم حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عَن أبي قلابة عن ابن عباس وذكر القصة وقال فيها فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة هكذا قال عن ابن عباس لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يوجب أن يكون إحرامه عن شبرمة قد انقلب عن فرضه بنفسه، وقد اختلف الناس في هذا. فقال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه وهو قول الأوزاعي.
وقال أصحاب الرأي له أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، وقال الثوري نحوا من ذلك وهو قول مالك بن أنس.

.ومن باب كيف التلبية:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر «أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. قال: وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل».
قلت: قوله: «إن الحمد والنعمة لك» فيه وجهان كسر إن وفتحها وأجودهما الكسر أخبرني أبو عمر قال: قال أبو العباس أحمد بن يحيى من قال إن بكسر الألف فقد عم ومن قال أن بفتحها فقد خص والرغباء المسألة، وفيه لغتان يقال الرغباء مفتوحة الراء ممدودة والرغبى مضمومة الراء مقصورة.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال بالتلبية».
قلت: يحتج به من يرى التلبية واجبة وهو قول أبي حنيفة وقال من لم يلب لزمه دم ولا شيء عند الشافعي على من لم يلب.

.ومن باب متى يقطع التلبية:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة».
قال: وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا يحيى عن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر».
قلت: ذهب عامة أهل العلم في هذا إلى حديث الفضل بن عباس دون حديث ابن عمر. وقالوا لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة إلاّ أنهم اختلفوا فقال بعضهم يقطعها مع أول حصاة وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وكذلك قال الشافعي.
وقال أحمد وإسحاق يلبي حتى يرمي الجمرة ثم يقطعها. وقال مالك يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة فإذا راح إلى المسجد قطعها.
وقال الحسن يلبي حتى يصلي الغداة من يوم عرفة فإذا صلى الغداة أمسك عنها. وكره مالك التلبية لغير المحرم ولم يكرهها غيره.

.ومن باب الرجل يحرم في ثيابه:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام سمعت عطاء أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه أثر خلوق أو قال صفرة وعليه جبة فقال يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله عليه الوحي فلما سري عنه قال أين السائل عن العمرة قال اغسل عنك أثر الخلوق أو قال أثر الصفرة واخلع الجبة عنك واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك».
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة، عَن أبي بشر عن عطاء عن يعلى بن أمية بالقصة قال فيها «اخلع جبتك فخلعها من رأسه».
قلت: فيه من الفقه أن من أحرم وعليه ثياب مخيطة من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه وإنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم.
وقد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال يشقه وعن الشعبي قال يمزق ثيابه.
قلت: وهذا خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بخلع الجبة وخلعها الرجل من رأسه فلم يوجب عليه غرامة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وتمزيق الثوب تضيع له فهو غير جائز، وقد يتوهم من لا يمعن النظر أن أمره إياه بغسل أثر الخلوق والصفرة إنما كان من أجل أن المحرم لا يجوز له أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى أثره بعد الإحرام وليس هذا من أجل ذلك ولكن من قبل أن التضمخ بالزعفران حرام على الرجل في حُرْمه وحله.
حدثنا ابن الأعرابي حدثنا موسى بن سهل الوشا حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل.
وفي الحديث دليل أن المحرم إذا لبس ناسيا فلا شيء عليه لأن الناسي في معنى الجاهل وذلك إن هذا الرجل كان حديث العهد بالإسلام جاهلا بأحكامه فعذره النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلزمه غرامة.

.ومن باب ما يلبس المحرم:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حَدَّثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه «سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب قال لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلاّ أن لا يجد النعلين فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين».
قال: وحدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى هذا الحديث وزاد ولا تتنقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين.
قلت: قوله: «لا يلبس البرنس» دليل على أن كل شيء غطى رأسه من معتاد اللباس كالعمامة والقلانس ونحوهما ومن نادره كالبرنس أو كالحمل يحمله على رأسه والمكتل يضعه فوقه فكل ما دخل في معناه فإن فيه الفدية.
وفيه أن المحرم منهي عن الطيب في بدنه وفي لباسه وفي معناه الطيب في طعامه لأن بغية الناس في تطييب الطعام كبغيتهم في تطييب اللباس.
وفيه أنه إذا لم يجد نعلين ووجد خفين قطعهما ولم يكن ذلك من جملة ما نهي عنه من تضييع المال لكنه مستثنى منه. وكل إتلاف من باب المصلحة فليس بتضييع. وليس في أمر الشريعة إلاّ الاتباع.
وقد اختلف الناس في هذا فقال عطاء لا يقطعهما لأن في قطعهما فسادا، وكذلك قال أحمد بن حنبل وممن قال يقطع كما جاء في الحديث مالك وسفيان والشافعي وإسحاق. قلت أنا أتعجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه ويشبه أن يكون إنما ذهب إلى حديث ابن عباس وليست هذه الزيادة فيه إنما رواها ابن عمر إلاّ أن الزيادات مقبولة. وقول عطاء إن قطعهما فساد يشبه أن يكون لم يبلغه حديث ابن عمر، وإنما الفساد أن يفعل ما نهت عنه الشريعة فأما ما أذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بفساد وهذا في الرجال دون النساء فأما النساء فإن حرمهن في الوجه والكفين.
وإذا لبست المرأة القفازين فقد اختلفوا في ذلك هل يجب عليها شيء أم لا فذكر أكثر أهل العلم أنه لا شيء عليها وعللوا حديث ابن عمر بأن ذكر القفازين إنما هو من قول ابن عمر ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلق الشافعي القول في ذلك، وقد قال في المرأة إذا اختضبت أنه لا شيء عليها فإن لفت على يديها خرقة لزمتها الفدية.
واختلفوا فيه إذا قطع الخفين هل يلزمه دم أم لا، فقال بعضهم لا شيء عليه لأنه صار بذلك في معنى النعل، وقال آخرون يلزمه الدم لأنه لم يأذن له فيه إلاّ عند عدم النعل.
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «السراويل لمن لا يجد الإزار والخف لمن لا يجد النعلين».
قلت: وفيه دليل على أنه إذا لم يجد الإزار فلبس السراويل لم يكن عليه شيء وإلى هذا ذهب عطاء والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وحكي ذلك عن الثوري.
وقال مالك ليس له أن يلبس السراويل، وكذلك قال أبو حنيفة ويحكى عنه أنه قال يفتق السراويل ويتزر به وقالوا هذا كما جاء في الخف أنه يقطع.
قلت: والأصل في المال أن تضيعه حرام والرخصة إذا جاءت في لبس السراويل فظاهرها اللبس المعتاد وستر العورة واجب وإذا فتق السراويل واتزر به لم تستتر العورة، وأما الخف فإنه لا يغطي عورة وإنما هو لباس رفق وزينة فلا يشتبهان ومرسل الإذن في لبس السراويل إباحة لا تقتضي غرامة.